:إذ نتحدث عن "العرس" أو "الزواج" يليق بنا ألا نحبس أفكارنا في نطاق الجسد، فالزواج هو اتحاد سري داخلي عميق يحمل حبًا فوق حدود الجسديات... هذا عن الحياة الزوجية بين بني البشر، فماذا نقول عن الزوجية الروحية التي فيها تقبل النفس ربها كعريس لها، يضمها إليه لتكون واحدًا معه!.
ففي العهد القديم فهم الأنبياء العهد الذي بين الله وشعبه كعهد زوجي فيقول إشعياء النبي مثلاً: "لأن الرب يُسرّ بك... كفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك..." (62: 4-5). ويقول هوشع النبي: "ويكون في ذلك اليوم يقول الرب أنك تدعيني "رجُلّي"... وأخطبك لنفسي إلى الأبد، وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والأحسان والمراحم، اخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب" (2: 14-20). وهكذا جاءت عبارات مماثلة في سفر الخروج (45) وإرميا (2: 2)، حزقيال (16: 7-14).
هذا الاتحاد الزوجي الذي عبر عنه الأنبياء، كان رمزًا لاتحاد أكمل حققه "الكلمة الإلهي" أو "اللوغوس" في ملء الزمان.
فسفر النشيد هو سفر العريس السماوي، فيه تتحقق إرادة الله الأزلية نحو الإنسان... هو نبوة لسرّ الزفاف الاسخاتولوجي (الاخروي)، فيه تزف الكنيسة الواحدة، الممتدة من آدم إلى آخر الدهور، عروسًا مقدسة.
هذا العرس تطلع إليه يوحنا المعمدان حين قال: "من له العروس فهو العريس" (يو 3: 19). وهو غاية كرازة الرسل، إذ يقول الرسول: "فأني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2)، "هذا السرّ العظيم، ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة".
ويقول القديس يوحنا: "رأيت المدينة المقدسة، أورشليم الجديدة، نازلة من عند الله كعروس مزينة لرجلها" (رؤ 21: 2).
"قد ملك الرب الإله... لأن عرس الخروف قد جاء، وامرأته هيأت نفسها، وأعطيت أن تلبس بزا نقيًا بهيًا..." (رؤ 19: 6-
. "الروح والعروس يقولان تعال"[15] (رؤ 22: 17).
نستطيع الآن أن نقول أنه خلال نشيد الأناشيد يمكننا العبور إلى الأبدية وممارسة لغة الحب السماوي، إذ يحوي حوارًا بين المسيا العريس وكنيسته الجامعة الرسولية العروس، أو بينه وبين كل نفس اتحدت به كعضو حيّ في كنيسته.
يكشف هذا الحوار الروحي عن الحب المشترك من الجانبين: الله والإنسان، والبحث المشترك من جانب كل منهما نحو الآخر، وينتهي بالراحة الحقيقية خلال الملكية المشتركة التي يقدمها كل منهما للآخر