كنت طفلا صغيرا، كانت والدتي تقضي معظم أوقات الفراغ بالتطريز وشغل الكانفا وغيرها من اشغال الصنارة، وأثناء شغلها هذا، كنت انا غالبا ما العب بجوارها على الأرض.
ذات يوم، وبعد أن بلغت الثالثة من عمري، كانت أمي تقوم بشغل لوحة كانفا من الصوف، وأنا آنا ذاك، جالسا على الأرض ألعب بجوار قدميها. التفتت إلى أمي وسألتها ماذا تفعلين يا ماما ؟ أخبرتني بأنها تعمل في كانفا جميلة جدا.
نظرت من أسفل إلى قطعة الكانفا التي كانت في يدها، وبدت لي مشربكة للغاية والخيطان داخلة بعضها ببعض، ومنظرها سيء للغاية.
حينئذ اشتكيت لها عن الأمر... فابتسمت والدتي وقالت لي بصوت مليء بالحنان،اذهب يا أبني ألعب قليلا وحين أنتهي من التطريز هذا، فأني سأدعوك لتأتي وتجلس على ركبتي، وتنظر إلى ما أنا أفعله، من الناحية التي أراها أنا.
ومضى بعض الوقت، ثم سمعت صوت والدتي تناديني" تعال أنظر إلى ما كانت أعمله"،أجلستني والدتي على ركبتيها، وارتني لوحة الكانفا التي كانت تعملها. فنظرت وإذا بزهرة رائعة جدا بألوانها الجميلة. وكدت لا أصدق ما أنظر، لأن نفس هذه الزهرة كان منظرها قبيح جدا من القفا، وهي ملئ بالخيطان المشربكة من كل لون وصوب.
سألت والدتي، كيف إستطعتي يا ماما عمل كانفا جميلة كهذه... رأت والدتي علامات الاندهاش والتعجب بادية على وجهي... فقالت لي، يا ابني، إن الذي لم تعرفه عن هذه الكانفا هو أنه كان عليها رسمة الزهرة، ولكن لم تكن مشغولة بعد، فأخذت أنا أتبع تلك الرسمة، وأضع الخيطان في المكان المناسب، وهكذا استطعت أن أعمل منها لوحة جميلة كالتي تنظرها...
أخي وأختي، كثيرا ما نرفع أعيننا إلى السماء ونقول له... يا رب ماذا تفعل؟ فيجيب الرب ويقول لك: إنني أطرز حياتك...
فتقول له، ولكن ها كل شي في حياتنا مشربك، ويبدو وكأن لا معنى له، فالأيام صعبة ومرة... فيجيبك الرب ويقول... يا أبني، اذهب أنت واهتم بعملي على الأرض، وتمم إرادتي، ويوما من الأيام سأدعوك إلى ههنا، فتجلس في حضني، وأريك تطريزي لحياتك من ناحيتي أنا... فحينئذ تعي خِطتي وتفهم مقاصدي