بقى أثناسيوس هاربًا ست سنوات يطلب الإمبراطور رأسه دون جدوى!
قدم الإمبراطور جورج الكبادوكي أسقفًا يغتصب الشعب ويتسلم الكنائس عنوة ويجمع الأموال، لكنه لم يستطع أن يحتمل البقاء في الإسكندرية، فهرب ليعود بعد موت الإمبراطور (سنة 361) فيقتله الوثنيون الذين كانوا يبغضونه (ربما للاستيلاء على أمواله).
كان أثناسيوس في منفاه الاختياري يتنقل من دير إلى دير ومن موضع إلى أخر، بقلبه الملتهب بحب الله وشعبه، يرعى أولاده خلال كتاباته العميقة، فكان خصبًا في إنتاجه الروحي. كتب سيرة الأنبا أنطونيوس، ودفاعه عن هروبه، وأرسل خطابات إلى أساقفة مصر وليبيا ولوسيفر أسقف كالاريس (كاجلياري بجزيرة سردينيا غرب إيطاليا) وإلى الرهبان المصريين، وأربع مقالات ضد الأريوسيين، وخمس رسائل عقائدية لسيرابيون أسقف تمى، وخطابات عن الروح القدس، وكتاب المجامع.
بموت قسطانطيوس وتولي يوليانوس الحكم ظهر البابا أثناسيوس عام 362 ومعه لوسيفر أسقف كلاديوس وأوسابيوس أسقف فرشيلي اللذان كانا منفيين بالصعيد.
عقد البابا مجمعًا بالإسكندرية عام 362 دعي "مجمع القديسين والمعترفين"، إذ كان جميعهم قد حضروا من النفي أو نالوا عذابات، لكن لم يدم الحال، فقد شعر يوليانوس بخطورة البابا أثناسيوس على الوثنية فبعث لوالي الإسكندرية يقول بأن الأمر بعودة المنفيين إلى بلادهم لا إلى كراسيهم، آمرًا إياه بطرد أثناسيوس خارج مصر، فاضطر البابا إلى الاختفاء في مقبرة أبيه 6 شهور. وإذ شدد الإمبراطور على الوالي اضطر البابا إلى ترك الإسكندرية متجهًا إلى الصعيد في مركب لحقتها مركب الوالي، فسأله الجند عن أثناسيوس، أما هو فقال لهم: "إنه ليس بعيد عنكم" فأسرعوا نحو الصعيد، وعاد هو إلى مدينة كايرو بجوار ممفيس، وبعد فترة صار يتنقل بين الأديرة في الصعيد.
قُتل يوليانوس وتولى جوفيان الحكم فأرسل خطابًا ودّيًا للبابا يدعوه للعودة، كما أمر بعودة كل المنفيين. رجع البابا إلى الإسكندرية حيث عقد مجمعًا فيه كتب خطابًا يحوي قانون الإيمان النيقوي، ثم انطلق لمقابلة الإمبراطور الذي قابله بالترحاب ليعود إلى الإسكندرية في فبراير 364، حاملاً معه خطابات الإمبراطور.
مات جوفنيان في فبراير 364 وتولى فالنتينان الحكم في نفس الشهر فاستلم الغرب وسلّم أخاه فالنس الأريوسي الشرق.
8. بعث فالنس منشورًا بعودة جميع الأساقفة الذين سبق نفيهم في حكم يوليانوس إلى أماكن نفيهم، اضطر البابا أن يغادر الإسكندرية إلى بيت ريفي. وتحت ضغط الشعب رجع أثناسيوس إلى كرسيه بعد حوالي تسعة شهور (مايو 635 - فبراير366) فامتلأت الإسكندرية فرحًا.
عاد البابا من نفيه الخامس وقد بلغ حوالي السبعين من عمره ليمارس رعايته لشعبه بروح متقدة بالغيرة، خاصة في تطهير البلد من كل فكر أريوسي.
في عام 369 عقد مجمعًا بالإسكندرية من 90 أسقفًا للاهتمام بالفكر الإيماني المستقيم، وبقى عاملاً حتى بلغ الخامسة والسبعين من عمره ليسلم للأجيال وديعة الإيمان المستقيم بلا انحراف