كان في الاسكندرية رجل ثري ذو ممتلكات كثيرة، وكان مسيحيا تقيا يعرف الله ، سمع عن معجزات القديس آبا مينا ، فقال لنفسه" أريد أن أزور مزار القديس مينا ، وأصلي هناك ، وأعمل تمجيدا لجسده المقدس ، وأقدم له بعض التقدمات عله يذكرني عند خالقني ".
ونهض الرجل وأخذ معه ثلاثة آلاف من " السلادي" ( نوع من العملة ) ، وضعها في كيس ، وأخذ طريقه الي المزار ، وكان بمفرده . وعند الشاطيء وجد سفينة أبحرت به الي أن وصل الي ميناء تسمي فيلو كيسنتي ( ميناء الكرم )، ثم نزل الي البر ليتجه الي الصحراء حيث يوجد مزار القديس مينا .
وفي الطريق حل الليل عليه فذهب الي صاحب حانوت ، وقال له: يا أخي اني ذاهب الي القديس مينا ، وها الظلام قد خيم ، وأخشي السير بمفردي في الصحراء ، فهل لك أن تستضيفني حتي الصباح".
رحب به الرجل, وأخذه الي منزله ، وقدم له الطعام والشراب ، وأعد له الفراش لينام ، ولاحظ رب البيت كيس الذهب الذي مع الضيف ، ولعب الشيطان بعقله، وقلبه ، فانتظر حتي استغرق ضيفه في النوم العميق ، ثم انقض عليه وقتله.
وقال الرجل لنفسه :" انتظر حتي يخلو الميناء من العمال ، وألقي به في اليم ". وبنما هو يفكر في الأمر ظهر فوق الميناء نور عجيب أضاء المكان كله ، فلم يستطع الرجل الخروج بالجثه ، وأصبح في حيرة من الأمر، وكيف يتخلص من هذه المصيبة !! فصل الرأس عن الجسد ، وقطع باقي الجثة الي قطع واشلاء ، ووضعها في جرة انتظارا لظهور القمر ، فتكون الفرصة سانحة لالقاء الجرة، وما فيها في الماء .
وبينما هو ممسك برأس القتيل سمع طرقا علي باب منزله ، فأسرع مذعورا ، ووضع الرأس في السلة ، وعلقها في سقف في وسط المنزل ، وما أن فتح الباب حتي دخل آبا مينا راكبا حصانا مهوبا ، ومعه اثنان من الملائكة في ملابس الجنود ، وسأل آبا مينا صاحب البيت قائلا : هل أنت بمفردك هنا ؟" ، قال الرجل : " أقسم لك ياسيدي أنني هنا وحدي " .
ترجل "مينا" من علي حصانه ، وقال للرجل : " انتظر ايها الشرير حتي أجد ضحية غدرك الذي أتيت أنا من أجله " ، وذهب "مينا" الي السلة التي كانت مدلاة من السقف ، ووجد فيها رأس القتيل ، ثم قال لصاحب البيت :" ألم أقل لك انني سأجد الرجل الذي أتيت أنا من أجله ".
وملأ الرعب قلب الرجل الذي ظن أن الملك يبحث عنه بسبب الفعلة الشنيعة التي ارتكبها ، وتقدم نحو آبا مينا وخر علي وجهه ، وأخذ من تراب الارض ، ووضعه علي رأسه ، وراح يستعطف مينا ويقول :" يا سيدي اني أري نور الله في وجهك ، ونعمته في عينيك .انقذني أنا البائس التعيس ، انقذ روحي ، سأعترف بخطيئتي أمامك ، هذا الرجل كان في طريقه لزيارة مزار القديس مينا ، ولم يتسطع ان يكمل مسيرته لأن الليل كان قد أرخي سدوله، فطلب مني أن أستضيفه حتي الصباح ، ولما رأيت كيس الذهب معه أغواني الشيطان فقتلته . وها هو الكيس لم أفتحه للآن . خذه يا سيدي ، وأنا سأعطي من مالي الخاص ألفين من ( السلادي ) . انقذني يا سيدي من هذا القتل ".
قال القديس :" ايها الرجل ما دمت قد اعترفت بجريمتك ، فأنا أيضا سأكشف لك عن نفسي . اذهب ، واحضر الجرة التي بها اشلاء الرجل لكي تتمجد أعمال الله فيه بشفاعة خادمه مينا الشهيد . وأحضر الرجل الجرة ، وقال القديس آبا مينا :" باسم الآب والابن والروح القدس ، قم أيها القتيل من رقادك كامل الجسم والعقل ، واخبر صاحب البيت من أكون أنا ".
وفي الحال انتصب القتيل واقفا ، وعادت اليه الحياة ، وركع امام القديس والملاكين بكل احترام ، وقال :" يامينا يا جندي المسيح ، حقا ان كل من يزور قبرك لن يصاب بسوء ". فبارك مينا الرجلين ، ثم صعد الي السماء ، ومعه الملاكين .
وأخذ صاحب الحانوت ألفين سلديا (عمله) من ماله الخاص ، وأضافهما الي الثلاث الاف التي كانت مع الضيف ، وذهب الرجلان معا الي مزار آبا مينا ، وقدما الذهب هناك . وفرحا ومجدا الله اله القديس الشهيد آبا مينا.