«التصنيف الدينى» للمصريين
سمير مرقس
(1)
اتصل بى أحد شباب الصحفيين يريد منى تعليقا فى التليفون.. وبالرغم من أننى ألتزم منذ فترة بألا أدلى بأى أحاديث تليفونية لأسباب كثيرة.. وعادة أعتذر، بكل ود ولياقة، بسرعة للصحفيين قبل أن يلقوا بأسئلتهم، بأننى من حيث المبدأ لا أدلى بأى تصريحات هاتفيا وأكتفى بما أكتب من مقالات وكتب للتعبير عن آرائى حيث أكون مطمئنا تماما من وصول أفكارى دقيقة وسليمة..
إلا أن الصحفى الشاب سارع بالقاء السؤال قبل أن أعتذر له عن عدم الإدلاء بأى تعليقات.. حيث قال- نصا- «فلان، بصفتك باحثا قبطيا هل يمكن أن تعلق لنا عن الكشف الذى قام به بروفيسور (س)- نطق الصحفى الاسم بإنجليزية لم أفهمها- لنسخة من الكتاب المقدس تعود لكذا من السنوات».
لم أجد هناك ضرورة فى الكلام عن التزامى عدم الإدلاء بالأحاديث عبر الهاتف.. حيث اكتفيت بالاعتذار لعدم إلمامى بموضوع السؤال، وأنه لا يدخل فى نطاق تخصصى وأبحاثى وكتبى المنشورة.. إلا أنه أصر على أن أعلق على الموضوع بكلمات قليلة.. ولكننى اعتذرت بحسم.
وقبل أن يقول قائل: وماذا فيما رويت؟.. أقول: دعونا نتأمله بعض الشىء.
نعم قد تبدو القصة عادية وبسيطة.. ولكن التأمل الهادئ للسؤال الذى طرحه الصحفى سوف يشى بالكثير.. ويعكس ظاهرة غير مريحة ومقلقة.
(2)
بداية، السؤال المطروح يتضمن أولا مدخلا خاصا بتقديم الصحفى لى، والذى أعتبره المبرر لسؤالى، وثانيا السؤال المطروح ومدى علاقته بهذا التقديم.. لنتأمل، عزيزى القارئ، تعبير:
? «باحث قبطى».
الباحث لدى الصحفى موصوف بأنه «قبطى»، التى تترجم عنده إلى «ديانة الباحث وهويته»، وهنا لابد من طرح عدة أسئلة:
? ما قيمة أن تلحق الديانة أو الهوية بكلمة باحث؟
? ما دلالة هذا الوصف؟
? ما صلة موضوع البحث بهوية الباحث؟
? أليس من الأدق القول الباحث فى القبطيات؟
? وإذا ما اعتمدنا التعبير السابق «الباحث فى القبطيات»، ألا يعنى هذا احتمالية تنوع ديانة وهوية الباحث، حيث من الممكن أن يكون هناك بين الباحثين المعتبرين فى هذا الموضوع مَنْ يمكن أن يدلى بدلوه ومختلف فى هويته ودينه؟
على الجانب الآخر، يبدو أن الصحفى قد ربط بين التقديم الخاص بديانة الباحث وهويته وبين ما يترتب على ذلك، أى الإجابة عن السؤال المطروح تلقائيا كما لو كانت هناك علاقة شرطية بين هذا وذاك.. وهنا ننتقل إلى الشق الثانى للقضية.
يعكس الشق الثانى من القضية، والمتصل بموضوع السؤال، أكثر من مستوى:
الأول: هو كونى باحثا من جهة، وقبطيا من جهة أخرى، إنما يعنى ذلك بالضرورة وحتميا.. الإجابة عن كل ما يتعلق بالمساحات التى تدخل فى نطاق المعارف التى تتعلق بالكتاب المقدس، سواء كانت تتعلق: بلغته، ونسخه، وترجماته... الخ.
الثانى: هو عدم معرفة الصحفى- بدقة- فى أى مجال بحثى كانت مساهمات المصدر الذى يطرح عليه سؤاله (والتى أثمرت عبر أكثر من 25 سنة أربعة كتب، والعديد من الدراسات والترجمات،والتى ليس من ضمنها قطعا أى دراسة فى موضوع السؤال).. ولكن لندع ذلك باعتباره أمرا مهنيا يحتاج إلى حديث تفصيلى آخر.
(3)
واقع الحال.. لقد أزعجنى جدا هذا التوجه attitude الذى بات سائدا لدى الكثيرين، فى ظنى، وقد حذرنا منه كثيرا/ ومبكرا، ألا وهو التصنيف على أساس دينى.
? الباحث القبطى والباحث المسلم.. الدكتور المسلم والدكتور القبطى.. المحافظ القبطى والمحافظ المسلم.. الصحفى القبطى والصحفى المسلم.. الكتلة البرلمانية للإخوان والكتلة البرلمانية القبطية، وهكذا.
إنه ما يعرف فى العلوم الاجتماعية بإعادة قراءة المجتمع بشكل «رأسى».. فالمجتمع- بحسب ما يبدو لى- بات مقسما على أساس دينى.. الأمر الذى ينعكس ذهنيا فى تصوراتنا لبعضنا البعض.
هناك ضرورة لتجاوز هذا التقسيم الضيق للبشر وإدراك أن هناك تقاطعات أفقية للمجتمع تتجاوز الدين كمعيار وحيد للتصنيف بين البشر.. فالمكانة والثروة والانتماء السياسى والانتماء الرياضى والتذوق الفنى والجنس.. الخ، كلها معايير لابد أن تؤخذ فى الاعتبار.. فمتى تم تطبيقها سوف نجد أنها قد تجمع بين الكثيرين بالرغم من اختلاف الدين.
إن التصنيف الدينى- فى واقع الحال- أمر غير علمى وأقول إنه غير مصرى أيضا.
تاريخ نشر الخبر : 15/09/2009