من فضلك ركز جيدا فى هذه القصة انها قصة سائح ناسك وصل الى كل الدرجات الروحية على الأرض وظل 95 سنة سائح بجبل ترمقة دون ان يرى وجه انسان واستحق لطهارته ان الله يسخر له الملائكة لخدمته وقد فتح الله له السماء فرأى جنة عدن وشجرة معرفة الخير والشر واخنوخ وايليا ومكان الفردوس .
جاءت سيرة هذا الناسك، في مخطوطة يونانية قديمة، ونصها كما يلي :
كان الأنبا سيرابيون أبا لستة آلاف راهب يعيشون (متوحدين) في مغارات أرسينوي، وهى الفيوم الحالية، وذات مرة قرر القديس زيارة راهبٍ آخر في البرية (في صحراء ليبيا).
وبعد سفر طويل، استراح عند راهبٍ يدعى يوحنا. وهناك رأى حلمًا، وإذا باثنين (من الملائكة) في زي نسكي، كانا يتحدثان معًا عن شيخ متوحد، يسكن جبل ترمقة في ليبيا. وجاء في حوارهما أن له من العمر مائة وثلاثين عامًا، منها 95 سنة لم يرَ فيها وجه إنسان. وذكرا أيضًا أنه سيرحل من العالم خلال أربعين يومًا، لينضم إلى زمرة النساك الذين انتقلوا إلى السماء، بعدما قضى حياة حافلة بالجهاد.
ولما استيقظ القديس سيرابيون فجأة من نومه، قص حلمه على الراهب يوحنا. وكان الأخير يعرف عدة أماكن (بليبيا)، إلا أنه لم يسمع عن ترمقة من قبل، ومع ذلك نصحه بالسفر إلى القديس (الذي أشار إليه الملاكان في الحلم). وودعه متمنيًا حفظ الله له في الطريق، وطلب منه أن يصلى القديس من أجله (عندما يصل إليه).
فاتجه الأنبا سيرابيون إلى الإسكندرية، حيث التقى بقائد لإحدى القوافل الصحراوية (يعرف دروبها). وسأله قائلاً: "هل جبل ترمقة الليبي بعيد جدًا؟!" فأجابه "نعم"! ثم قال له: "إن السفر عن طريق البحر (المتوسط) أسرع كثيرًا، بينما الطريق البرى (الساحلي) يحتاج إلى نحو ثلاثين يومًا، ربما يعنى باستخدام وسائل الانتقال السائدة وليس بالطبع سيرًا على الأقدام).
لكن القديس (سيرابيون) لم يتردد في الرحيل إليه (سيرًا على الأقدام) وملأ جرته ماء، وطلب معونة الله وإرشاده... وسار في صحراء مارماريكا الموحشة. ومشى عشرين يومًا، دون أن يشاهد طيرًا أو حيوانًا.
وبدأ الماء ينفذ وشعر بالعطش وأشرف على الموت. وطرح نفسه أرضًا متضرعًا إلى الله (لكي ينقذه) وإذ به يجد الشخصين (الملاكين) اللذين رآهما فى الحلم قد اقتربا منه، وقالا له: "قم يا رجل الله، واتبع أثر خطواتنا". فأحس بالراحة (فورًا) وأشار أحدهما (إلى نبع ماء)، وقال له: "تطلع إلى هناك وخذ من الماء الذي يخرج من بين الرمل".
وأشار (الملاك) إلى أعواد نبات جافة، وقال له: "كل منها واستمر في طريقك متكلاً على قوة الله". ثم خاطباه (الملاكان) بأن يسرع الخطى، لأن الأنبا مرقس يريد لقاءه قبل أن يتنيح ثم اختفيا عنه.
وهكذا سار القديس - دون أن يشعر بالتعب - سبعة أيام أخرى، إلى أن وصل إلى سفح جبل ترمقة وهم بالصعود إليه. ورأى منظر الزهور الجميلة فوق الهضبة وتحتها مياه البحر الزرقاء وتناول بعض الأعشاب البرية، وجذبه النسيم العليل إلى الخلود للنوم والراحة".
وقضى القديس الأيام التالية في البحث عن الناسك العجيب بين الجبل والغابة الخضراء. ورفع قلبه للسماء شاكيًا من فشله فى العثور عليه. وفى منتصف إحدى الليالي، لمح فجأة ملائكة الله تهبط إلى بقعة قريبة منه، وسمعها تقول: "طوباك يا أنبا مرقس لأنك وجدت نعمة عند الله وقد وصل إليك الأنبا سيرابيون الذي كنت تتمنى أن تعرفه، وهو ههنا، وعندما يقابلك استقبله ببشاشة".
وبعد ذلك سمعه القديس سيرابيون يردد هذه العبارات: "يا سيدي الرب، إن يومًا واحدًا فى حضرتك خير من ألف عام في قصور البشر".
ثم تحدث مع نفسه وقال: "إن روحك تبتهج كثيرًا يا مرقس لأنها لم تتدنس بالمعيشة (في هذا الموضع) طوال قرن من الزمان. وان جسدك لسعيد جدًا يا مرقس ، لأنه لم يعرف الشهوات الفاسدة. وان عينيك تفرحان كثيرًا يا مرقس لأن الشيطان لم يدنسهما بالمناظر الخارجية (الشريرة). وان يديك أكثر غبطة يا مرقس لأنهما لم يمسا أو يمتلكا أشياء أرضية. وقد شبعت نفسك من غذاء الروح، وتقدس جسدك بمخالطة الملائكة... باركي يا نفسي الرب ولا تنسى كل حسناته".
ثم خرج من المغارة، ووجهه مبتل بالدموع، ونادى بصوت مرتفع وقال: "يا أنبا سيرابيون أنا أعرف أنك قد وصلت بسلام الله... اقترب منى يا ابني". وعانقه بتأثر، ثم قال: "ليتبارك اسم الرب، الذي قادك إلى هنا... ها قد مرت 95 سنة لم أرَ فيها وجه إنسان، وأنت أول من أقابله... أرجوك الجلوس".
وقد انتهز القديس سيرابيون فرصة وجوده مع هذا الأب الفاضل وسأله عدة أسئلة. فأجابه القديس عن كل أسئلته بكل تواضع وقال:
"ها قد مرت خمسة وتسعون سنة، قضيتها فى هذا الكهف. وعلى هذا الجبل المقدس، لم أذق فيها أي طعام بشري، ولم أرتدِ ملابس ما عدا تلك... وفى الثلاثين عاما الأولى عانيت بشدة من الجوع والعطش والعرى. وماذا يكون كل هذا (التعب) إذا ما قورن بفخاخ الشيطان؟... كان طعامي طين الغدير، وشرابي ماء البحر... وقد أقسمت الشياطين ألف مرة على خنقي ودفعي إلى هوة سحيقة إلى أسفل الجبل. وكانوا يطلقون صيحات مزعجة ويقولون: "اخرج من هذه المنطقة التي اغتصبتها منا، لأنه منذ خلق العالم لم يتجاسر إنسان على التواجد فيها".
وبعد فترة طويلة من تجارب (حروب) الشياطين أشفق الله عليّ وسترني بستر مظلته، ومنح جسدي قوة خاصة، وكانت الملائكة تلازمني باستمرار، وقد ذقت يا ابني سعادة الفردوس، ورأيت نعيم الملكوت المعد للذين يعيشون بالتقوى (في الفضيلة)، كما شاهدت جنة عدن، وشجرة معرفة الخير والشر التي أكل منها آدم وحواء. ورأيت أخنوخ وايليا، في مقرهما غير المعروف على الأرض. وبالإيجاز فان الله لم يرفض لي أية رغبة في التعمق في المعرفة وفى التأملات (الروحية)".