"مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام جسد واحد وروح واحد كما دعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وأب واحد للكل"
(أفسس3:4-5)
"نؤمن . . . بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسوليه ونعترف بمعمودية واحدة . . ."
(قانون الإيمان)
الفصل الأول
الكنيسة الأولى الواحدة
الوعد بتأسيسها:
لقد وعد رب المجد يسوع المسيح تلاميذه بتأسيس كنيسته على صخرة الإيمان وكان ذلك أثناء حديثه إلى بطرس الرسول كما جاء في إنجيل معلمنا متى البشير: "ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلاً من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان. فقالوا. قوم يوحنا المعمدان. وآخرون إيليا. . . فقال لهم وانتم من تقولون إني أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا.. إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها." (متى13:16-18).
فقد وعد رب المجد أنه يبني كنيسته على صخرة الإيمان. وكنيسته هنا تفيد أنها كنيسة واحدة ذات مبادئ واحدة وإيمان واحد وعقيدة واحدة ورب واحد.
تأسيسها:
لقد وعد رب المجد تلاميذه بتأسيس الكنيسة كما وعدهم أيضاً بحلول الروح القدس عليهم كما ذكر كاتب سفر أعمال الرسل معلمنا لوقا الرسول إذ قال: الكلام الأول (أي الإنجيل الذي كتبه) أنشأته يا ثاؤفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه بعدما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم. الذين أراهم أيضاً نفسه حيّا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله. وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير. أما هم المجتمعون فسألوه قائلين يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل. فقال لهم ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه. لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض." (أع1:1-
.
وفي هذا الوعد رجع الرسل وأقاموا في علية صهيون مواظبين في الصلاة والطِلبة بنفس واحدة، ويوضح ذلك أيضاً لوقا الرسول في قوله: "ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس." (أع1:2-4).
فيُعتبر هذا اليوم يوم الخمسين أو يوم حلول الروح القدس هو يوم تأسيس الكنيسة الفعلية حيث صار اعتماد الرسل من الروح القدس.
وأهم ما كان يميز تلك الكنيسة أنها كانت بنفس واحدة لا شِقاق ولا خِلاف بينهم بل كان الحال أكثر من هذا فلم يكن اتحادهم في الأمور الروحية فحسب بل حتى الأمور المادية فيقول لوقا الرسول: "وجميع الذين آمنوا كانوا معاً وكان عندهم كل شيء مشتركاً. والأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج. وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة." (أع44:2-4).
فما أجمل تلك الحياة التي كانت لآبائنا الرسل في شركة ووحدانية مقدسة.
وحدانية الكنيسة في عصورها الأولى:
رأينا كيف كان الرسل في حياة مشتركة وفي وحدانية كاملة ومن أجل هذا كانوا في قوة عظيمة. ورغم أن إبليس عدو الخير بمحاولات عديدة أراد أن يقسم الكنيسة لكن روح الوحدانية التي كانت تؤلف بين الرسل لم تدع الفرصة لإبليس أن يتمكن منها. فقد ذكر لوقا الرسول محاولات مثل هذه فقال: "وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الاخوة أنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا. فلما حصل لبولس وبرنابا منازعة ومباحثة ليست بقليلة معهم رتبوا أن يصعد بولس وبرنابا وأناس آخرون منهم إلى الرسل والقسوس إلى أورشليم من أجل هذه المسألة. ولما حضروا إلى أورشليم قبلتهم الكنيسة والرسل والقسوس فأخبروهم بكل ما صنع الله معهم. ولكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا أنه ينبغي أن يختنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى. فاجتمع الرسل والقسوس لينظروا في هذا الأمر. . . حينئذ رأى الرسل والقسوس مع كل الكنيسة أن يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما إلى إنطاكية مع بولس وبرنابا وسيلا رجلين متقدمين في الاخوة. وكتبوا بأيديهم هكذا. الرسل والقسوس والاخوة يهدون سلاماً إلى الاخوة . . .إذ قد سمعنا أن أناساً خارجين من عندنا أزعجوكم بأقوال مقلّبين أنفسكم وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس الذين نحن لم نأمرهم. رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين . . .وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاهاً. . . لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر." (أع1:15-28).
هذه هي محاولة من محاولات إبليس ليفرق بين صفوف الكنيسة ولكنه رجع خائباً إذ اجتمع الرسل بنفس واحدة وبحثوا هذه المشكلة التي نشأت في الكنيسة. وما أجملهم إذ يقولوا رأى الروح القدس ونحن فهذا هو سر قوتهم أنهم جعلوا الروح القدس يهيمن على أفكارهم وينطق على ألسنتهم لهذا عادت الصفوف إلى وحدتها ودحر إبليس وخرج خاسراً.
وعلى منوال الرسل نسجت الكنيسة خلال عصورها الأولى صارت موحدة الفكر والرأي رغم ظهور الكثير من الهرطقات ولكن إذ كانت الكنيسة يقودها الروح القدس لم تستطع أي قوة أن تمس كيانها.
فعندما كانت تظهر أي بدعة أو هرطقة كانت الكنيسة تسارع بالدعوة إلى اجتماع عام تمثل فيه جميع الكنائس في المسكونة كلها للنظر في شأن هذه الهرطقة وبإرشاد وتوجيه الروح القدس تُصدر الحكم بصددها متفقاً عليها من الجميع.
وظلت هكذا الكنيسة على هذه الروح إلى منتصف القرن الخامس الميلادي ولزيادة الإيضاح نورد في الفصل التالي أشهر الهرطقات التي ظهرت في القرون الأولى للمسيحية وكيفية تصرف الكنيسة إزاءها.
الفصل الثاني
الهرطقات والمجامع المسكونية
لقد ظهرت في الكنيسة خلال عصورها الأولى عِدة هرطقات نتيجة للتفاسير والتأويلات غير الصحيحة لمفهوم آيات الكتاب المقدس. ولكن الكنيسة إزاء هذه الهرطقات كانت تدعو إلى اجتماعات تُعرف باسم المجامع لبحث هذه الهرطقات وإصدار الحكم بصددها.
وكانت هذه المجامع على نوعين:
مجامع مسكونية: وكانت تشمل ممثلي كل الكنائس.
ومجامع مكانية أو محلية: وكانت تُعقد في الإقليم وتجمع أساقفة وقسوس كنيسة هذا الإقليم.
ويختلف المؤرخون في عدد المجامع المسكونية فبعضهم يقول أنها سبعة وآخرون يقولون أنها 19 مجمعاً.
وكما أن المؤرخين يختلفون في عددها هكذا تختلف الكنائس في الاعتراف بها.
أما كنيستنا القبطية فلا تعترف إلا بالأربعة الأولى منها وهي:-
مجمع نيقية سنة 325م
مجمع القسطنطينية سنة 381م
مجمع أفسس الأول سنة 431م
مجمع أفسس الثاني سنة 449م
وإليك هذه المجامع بشيء من التفصيل الموجز.
المجمع المسكوني الأول
{مجمع نيقية سنة 325م}
سبب انعقاده:
ظهور بدعة أو هرطقة آريوس. وآريوس هذا كان كاهناً ليبياً بكنيسة الإسكندرية.
ملخص الهرطقة:
نادى آريوس بتعاليم مخالفة للعقيدة المسيحية. فالمسيحية تؤمن بأن الله واحد في جوهره مثلث الأقانيم (الآب والابن والروح القدس إله واحد) فالابن من ذات جوهر الله أي أنه مولود منه ولادة جوهرية كولادة النور من النار، وقد ظهر الله في جسد المسيح (1تي16:3).
أما آريوس فقد نادى بتعاليم منافية للعقيدة منكراً لاهوت المسيح وأنه لم يكن إلهاً بل هو مجرد إنسان مخلوق.
فكان نتيجة هذا التعليم أن حدث انشقاق وبلبلة هددت وحدة المسيحية.
الداعي لانعقاد المجمع:
وقد دعا الإمبراطور قسطنطين الكبير وهو أول من آمن مِن أباطرة الرومان بالمسيحية وجعلها الدين الرسمي للدولة فعندما ظهر هذا الانشقاق أراد الإمبراطور أن يحافظ على وحدة الكنيسة فدعا جميع كنائس المسكونة للاجتماع.
رئيس المجمع:
البابا السكندري الأنبا الكسندروس.
مكان وتاريخ انعقاده:
تلبية لدعوة الإمبراطور انعقد المجمع في مدينة نيقية بآسيا الصغرى سنة 325م.
عدد الحاضرين:
قد حضر هذا المجمع 318 أسقفاً ممثلين لجميع الكنائس هذا عدا الكهنة والشمامسة وكان من بين الحاضرين شخصية سطع نجمها وهو الشماس أثناسيوس الذي أصبح فيما بعد بطريركاً للإسكندرية وسُمي [الرسولي حامي الإيمان] وذلك لدفاعه وموقفه إزاء بدعة آريوس.
وكان حاضراً هذا المجمع أيضاً بطريرك الإسكندرية البابا الكسندروس الذي اصطحب شمامسة أثناسيوس للمجمع.
قرارات المجمع:
( أ ) حرم آريوس المهرطق ونبذ تعاليمه.
(ب) وضع قانون الإيمان لدحض بدعة آريوس وهو القانون الذي نردده في كنائسنا إلى يومنا هذا والذي بدؤه: "بالحقيقة نؤمن بإله واحد . . . نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. نور من نور إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. مساوٍ للآب في الجوهر . . . (إلى) وليس لملكه انقضاء"
المجمع المسكوني الثاني
{مجمع القسطنطينية سنة 381م}
سبب انعقاده:
ظهور عدة بدع أهمها: بدعة مكدونيوس. وكان هذا أسقف القسطنطينية.
ملخص الهرطقة:
نادى مكدونيوس هذا بأن "الروح القدس مخلوق كمثل الملائكة" وهذا منافي للعقيدة المسيحية التي تؤمن أن الروح القدس الأقنوم الثالث إله حق منبثق من الآب.
الداعي لانعقاد المجمع:
كان الداعي لذلك المجمع هو الإمبراطور تاؤدسيوس الكبير.
رئيس المجمع:
البابا السكندري الأنبا تيموثاوس.
مكان وتاريخ الانعقاد:
قد عُقد هذا المجمع بمدينة القسطنطينية سنة 381م.
عدد الحاضرين:
وحضر هذا المجمع 150 أسقفاً من جميع الكنائس عدا الكهنة والشمامسة.
قرارات المجمع:
( أ ) حرم مكدونيوس وتحريم تعاليمه.
(ب) إضافة الجزء الخير من قانون الإيمان الذي بدؤه: "نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب . . . الخ"
المجمع المسكوني الثالث
{مجمع أفسس الأول سنة 431م}
سبب انعقاده:
ظهور هرطقة نسطور أسقف القسطنطينية أيضاً