فأخذ الرجال هذه الهدية، وأخذوا ضعف الفضة في أياديهم، وبنيامين، ... ووقفوا أمام يوسف ( تك 43: 15 )
في القصة الشيقة الواردة في الأصحاحات الأخيرة من سفر التكوين، نجد أن يعقوب احتاج إلى قمح. وكان يريد أن يحصل على إطلاق سراح شمعون، وضمان سلامة بنيامين، ولهذا فإنه اقترح خطة يحصل بها على كل هذه الطلبات، تعتمد على مجهوداتهم الذاتية. وبعدما وضع يعقوب كل خططه، استودع بنيه لرحمة الله القدير (ع14). لقد وضع خططه أولاً، والله القدير ثانيًا! أي أنه إذا كان هناك نقص ما في خططه، فهو يأمل في رحمة الله القدير لكي تعوّض هذا النقص. وهذه هي نفس الطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع الله إلى هذا اليوم. فالله في رحمته أرسل ابنه الوحيد الذي أكمل عمل الفداء العظيم، ولكن الإنسان ما زال متمسكًا بأعماله الذاتية، وينظر إلى رحمة الله وإلى عمل المسيح كشيء مكمِّل لأي نقص أو قصور في أعمال الإنسان. ولكن كل هذه الخطط لم تُعطِ يعقوب أي يقين، بل تركته في شك ويأس وحيرة، وهذا ما يحدث مع كل مَن يتكل على أعماله الذاتية إلى الآن. فبعد كل هذا اعترف يعقوب أنه غير واثق من النتائج إذ يقول: «وأنا إذا عدمت الأولاد عدمتهم» (ع14).
يا لها من صورة مُحزنة تصف بدقة طريق الإنسان الذي يحاول به الحصول على بركة من الله. إذا عملت ما في وسعك ثم انتظرت أن تعوض رحمة الله أي فشل في مجهوداتك، راجيًا بذلك خيرًا في المستقبل، فالنتيجة هي أنك تقول في دخيلة نفسك: إذا خلصت خلصت وإذا هلكت هلكت!
ابتدأ إخوة يوسف في تنفيذ خطة أبيهم، فقط لكي يكتشفوا في النهاية عقمها وعدم نفعها (ع15). ولم يَعِر يوسف لهديتهم أي اهتمام، ولم يلمس فضتهم؛ لقد تجاهل خطتهم تمامًا وابتدأ يعمل حسب ما في قلبه. بدايةً، قال للذي على بيته: «أَدخِل الرجال إلى البيت واذبح ذبيحة وهيئ، لأن الرجال يأكلون معي عند الظهر» (ع16). أ ليست هذه صورة للوليمة الأعظم التي يقدمها الله إلى الخطاة قائلاً: «تعالوا لأن كل شيء قد أُعد»!
لقد كانت خطتهم أن يشتروا قمحًا لكي يصنعوا به وليمة مع بعضهم البعض، أما خطة يوسف فكانت أن يصنع لهم وليمة يتمتعون فيها بالشركة معه «لأن الرجال يأكلون معي» (ع16).